خلال الأسابيع الستة التي أعقبت تقديم كل من الجنرال ديفيد بترايوس والسفير رايان كروكر تقريريهما أمام الكونجرس بشأن الوضع في العراق، تزايدت الانتقادات الموجهة إلى حكومة بغداد بسبب ضعف أدائها في الدفع نحو المصالحة الوطنية. لكن المؤسف أنه لا واشنطن ولا حكومة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، قد أدركتا أنه لا سبيل لإحراز أي تقدم نحو المصالحة الوطنية دون تصحيح أخطاء النظام الانتخابي الذي أنشئ عقب الإطاحة بنظام صدام حسين. فما هذا الشلل الذي يقعد بحكومة بغداد، مصحوباً بالنزاعات الطائفية التي عمت العراق بأسره، والفشل في إحراز أي تقدم نحو المصالحة الوطنية... سوى نتائج وتداعيات متوقعة لذلك الطيش والتسرع نحو إجراء الانتخابات العامة وصياغة الدستور العراقي الجديد. وكما نعلم فقد توجهت كافة الأحزاب العراقية الرئيسية حينها بمذكرة تطالب بتأجيل الانتخابات، ورفعتها بدوري إلى غازي الياور بوصفه الرئيس المؤقت للبلاد. لكن ربما تحت تأثير الضغوط الدولية على بغداد، فقد أجريت الانتخابات في يناير 2005، بنظام قوائم الأحزاب المغلقة، وهو نظام في غاية الاختلال والتضليل. فبدلاً من أن يصوت الناخبون لصالح مرشح بعينه، فرض عليهم الاختيار بين قوائم المرشحين المتنافسين المنتمين لأحزاب بعينها، هي التي تدعمهم وتنظم حملاتهم الانتخابية نيابة عنهم. وفي اعتقادي أن هذا النظام لم يكن ملائماً البتة بالنظر إلى ظروف الوضع الأمني حينها وغياب أي أرقام أو إحصاءات سكانية، إضافة إلى الترهيب الذي يتعرض له الناخبون على أيدي الميليشيات الدينية المسلحة. إضافة إلى ثقل حجم التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للعراق، والتفكك الذي أصاب مؤسسات الدولة وأجهزتها، ثم استخدام الأحزاب للشعارات والرموز الدينية بغية التأثير العاطفي على الناخبين. وبالنتيجة فقد انبنت خيارات الأغلبية الساحقة من الناخبين على قاعدة الانتماء الطائفي العرقي، وليس على أساس سياسي كما هو مفترض. وبسبب عدم الإعلان عن قوائم المرشحين حتى قبيل الاقتراع بوقت قصير، فقد كان معظمهم مجهولاً للناخبين. أما النتيجة الطبيعية التي أسفرت عنها انتخابات كهذه، فهي نشوء برلمان طائفي يسيطر عليه قادة الأحزاب بدلاً من الممثلين الحقيقيين للشعب. وهكذا تشكلت حكومة ليست مسؤولة ولا مساءلة أمام شعبها! والسؤال الآن: كيف لنا أن نصحح هذه الفوضى ونحقق الوحدة السياسية الفعلية للعراقيين؟ يجب أن نبدأ أولاً بتنقيح شامل للدستور والتشريعات الانتخابية. وأقترح في هذا الصدد سن تشريع انتخابي جديد يساعد في اتجاه العراق نحو نظام انتخابي جديد يقوم على التوزيع الجغرافي للسكان، وليس على الانتماءات الطائفية الدينية أو العرقية، على غرار نظام انتخاب الكونجرس الأميركي، أو أن يكون وفق نظام القوائم المختلطة المعمول به في ألمانيا. وأياً كان النظام الانتخابي الذي سنتوصل إليه، فإنه لا بد من الإعلان عن أسماء وقوائم المرشحين قبل وقت كاف من عملية الاقتراع، مع ضرورة أن يقوم اختيار المرشحين على أساس تمثيلهم الفعلي للدوائر الانتخابية التي تنتخبهم. وفوق ذلك يتعين على القانون الانتخابي الجديد أن يحظر استغلال الرموز والشعارات الدينية، وحظر استغلال الخطاب الديني في العملية الانتخابية، سواء من قبل الأحزاب أم المرشحين. وفي رأيي أنه لا مكان البتة لمثل هذه الرموز في العملية الانتخابية الديمقراطية. ولضمان منع أي تدخل من قبل الميليشيات الطائفية، ولتوفير أكبر قدر ممكن من الشفافية الانتخابية، يلزم إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات في كافة الدوائر. كما يجب أن تتوفر الأجواء الملائمة للمضي قدماً في هذه الإصلاحات وللدفع بالبلاد على طريق المصالحة الوطنية، مثل إصدار عفو عام عن كل من لم تكن لهم يد أو علاقة بالإرهاب. هذا ولم يحدد موعد حتى الآن لإجراء الانتخابات العراقية المقبلة، قبيل نهاية عام 2009، ما لم تتم تنحية الحكومة الحالية، أو أن تطالب أغلبية برلمانية بإجراء انتخابات عامة مبكرة. وأياً يكن مصير حكومة المالكي الحالية، فإنه لا بد لمجلس النواب أن يسرع الخطى نحو إصلاح الإطار التشريعي المنظم للعملية الانتخابية، وأن يقترح بدلاً عن القانون الحالي قانوناً جديداً على اللجنة الانتخابية العراقية المستقلة، بحيث يضمن التشريع الجديد إعطاء صوت متكافئ لجميع الناخبين العراقيين في تشكيل حكومتهم المقبلة. وفي رأيي أن إعادة هيكلة العملية الانتخابية هذه، ستكون بداية النهاية لآفة الطائفية التي تلقي بثقلها على العملية السياسية في العراق، ولهذا الشلل التام الذي تعانيه الحكومة الحالية. كما ينبغي لنا أن نجعل من هدف تحقيق المصالحة الوطنية في البلاد، على النحو الذي أقرته إدارة بوش، الواجب المقدم على غيره من معايير وبنود التقدم السبعة عشر التي أقرها الكونجرس هذا العام. على أن بناء الديمقراطية في العراق سوف يكون عملية طويلة الأمد، ولن تؤسس وترسخ إلا عبر سيادة القانون، وتوفر بيئة أمنية مستقرة، إلى جانب وجود مؤسسات الدولة الفاعلة، مصحوبة بنشوء مؤسسات المجتمع المدني. وليس عصياً علينا إحراز النجاح المطلوب، في حال إسراعنا بإجراء الإصلاحات الجوهرية اللازمة لنشوء ديمقراطية عراقية تستجيب فيها كل من الحكومة والبرلمان لحاجات الشعب وطموحاته وآماله. وعندها فحسب يمكن لنا بناء تلك الدولة التي تحقق الحرية للشعب العراقي، والتي دفع الكثيرون أرواحهم ثمناً لها. أما البديل لهذا الطريق، فهو أن نمضي في ما نحن عليه الآن، وهو الذي يؤدي مباشرة إلى تفتيت العراق وشرذمته. إياد علاوي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ رئيس الوزراء العراقي السابق ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"